يجب أن تكون أبحاث فيروسات كورونا متاحة للجمهور بحرية، هذا ما تعتقده مجموعة من المتسللين، وهي على استعداد لخرق القانون إذا كان بإمكانها إنقاذ الأرواح، بحسب زعمها.
ففي خضم أزمة الصحة العالمية التي تحدد مستقبل الجيل القادم، أصبح عدم وصول الجميع إلى مقالات أبحاث فيروسات كورونا مصدر قلق، خاصة بالنسبة للأوساط الطبية والعلمية في العالم النامي.
وتعاني شعوب من نقص في الإدارة، وقلة الإمداد، وتأثير فيروس كورونا على قطاعها الطبي، ونقص الموارد المتاحة لفهمه، مما جعل الكثيرين يتساءلون عن سبب إخفاء الأبحاث التي من المحتمل أن تنقذ حياة الملايين.
برامج بحوث جائحة كورونا المدفوعة
توجد في المجتمع الأكاديمي برامج الدفع مقابل الاشتراك، وهي وسيلة للناشرين لدفع ثمن تسويق وتنسيق وتوزيع المقالات العلمية.
شركات النشر لديها مخاوف من أنه من دون برامج الدفع مقابل البحوث، سيكون هناك احتمال متزايد للفساد والاستغلال. حيث يمكن إجبار الباحثين على الموضوعات والنتائج التي تثبت الميول السياسية أو الاجتماعية، وبالتالي القضاء على النزاهة الأكاديمية.
يدعي هؤلاء الناشرون أن نظام الاشتراك المدفوع يهدف إلى حماية قدسية البحث الأكاديمي. ومع ذلك، يتساءل آخرون عما إذا كان هذا هو في الواقع دافعهم الأساسي، وكذلك إذا كان يجب أن يكون.
وتمنع القوانين الوصول إلى البحث العلمي من دون الاشتراك، وتجني الجهات الراعية مبلغًا كبيرًا من المال للقيام بذلك. فالنشر المدفوع لهذه المقالات هو صناعة بمليارات الدولارات مع كبار الناشرين الذين يفتخرون بهامش ربح بين 35-40%.
وقد أصبحت مخاطر هذا النظام واضحة بشكل متزايد في الأسابيع الأخيرة بسبب الانتشار السريع لفيروس كورونا، والحاجة الملحة للوصول إلى جميع الأبحاث الخاصة بفيروسات كورنا المتاحة.
هل القراصنة هم روبن هود العلوم؟
وجد أحد مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي “ريدت” الذي يحمل اسم شراين (Shrine) أنه من السخف أن تكون آلاف الدراسات حول فيروس كورونا مخفية خلف نظام الاشتراك المدفوع، ولا يمكن الوصول إليها إلا لمن يستطيعون تحمل تكلفتها.
يشرح شراين، الذي لم يذكر اسمه الحقيقي، “أدركت أن هناك أشخاصا يموتون وأن معدل الوفيات قد يكون أعلى نتيجة لعدم الوصول إلى المقالات”.
وقال شراين “أصبحت أي معلومة صغيرة يمكننا جمعها من الأبحاث العلمية السابقة عن الأوبئة أو الفيروسات أو اللقاحات ذات صلة فجأة، وتحتاج الوكالات في جميع أنحاء العالم إلى الوصول إلى جميع هذه المقالات”.
وعثر شراين على أكثر من 5000 ورقة بحثية عن فيروسات كورونا تم إعدادها من عام 1968 حتى عام 2020، ونشرها بشكل غير قانوني باستخدام موقع ويب يسمى “ساي-هب” (Sci-Hub). ثم نشرها على موقع ريدت، وفي غضون ساعات كان الآلاف قد وصولوا لهذه الوثائق.
وفي محاولة منه لجعل عملية النشر شرعية، ناشد شراين شركات النشر نفسها مباشرة من خلال إنشاء عريضة على موقع تشانج.أورغ (Change.org) يطلب منهم إزالة نظام حظر الاشتراك المدفوع من أجل مساعدة الأفراد والمنظمات في البحث عن لقاح لفيروس كورونا.
حصل الالتماس على المئات من التوقيعات في غضون أيام قليلة، ونجح في زيادة كمية الأوراق البحثية المتعلقة بالفيروس عبر الإنترنت من بضعة آلاف إلى أكثر من 32 ألف ورقة بحثية.
استمرت جهود شراين في تقديم التماس إلى المنظمة الدولية للمعايير التي نشرت معلومات الاشتراكات المدفوعة الأجر مجانا لمساعدة المهندسين في بناء أجهزة التنفس الصناعي، اعتبارا من 9 أبريل/نيسان الجاري.
بينما كان من الواضح أن عمل شراين غير قانوني، يعتقد أن إخفاء المعلومات القيمة بواسطة نظام الاشتراك المدفوع باهظ الثمن هو أمر غير أخلاقي. حيث يشير التاريخ الحديث أيضا إلى خطر هذه الأنظمة في أوقات الأزمات.
هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها التشكيك في نظام حظر الاشتراك غير المدفوع أثناء الوباء. فلم يكن من الممكن الوصول إلى البحث القيّم الذي كان يمكن أن يعيق تفشي فيروس إيبولا في ليبيريا بسبب هذه الاشتراكات المدفوعة، لذلك من المفهوم أن شراين سيعتبر عمله “شرًا ضروريًا”.
فبعد تفشي فيروس إيبولا في عام 2014 الذي اجتاح غربي أفريقيا، وجد الباحثون مقالات تحذر بالفعل من تفشي إيبولا في ليبيريا، وقدموا نصائح حول كيفية وقف انتقاله.
وقال شراين عن هذه الحادثة “أدركت أن هناك أشخاصا يموتون وأن معدل الوفيات قد يكون أعلى نتيجة لعدم الوصول إلى المقالات” العلمية.
ويعتقد شراين أنه يجب ألا يكون هناك عائق أمام المعلومات التي يمكن أن تساعد أولئك الذين هم على الخطوط الأمامية للوباء.
ويبقى السؤال مطروحا بعد ذلك: هل فوائد نظام حظر الاشتراك غير المدفوع تفوق حقا الفوائد المحتملة لزيادة الوصول إلى البحث خلال الأوقات الحرجة؟