أخذت خطة فيسبوك الطموحة لإطلاق عملتها الرقمية “ليبرا” تثير مخاوف حقيقية بشأن الخصوصية، حيث يعتبر بعض المنتقدين أنها قد تكون أكثر أشكال التجسس انتهاكا وخطورة التي قد تعمد إليها عملاق التكنولوجيا الأميركية فيسبوك.
ذات مرة قال الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، مارك زوكربيرغ، تحديدا عام 2003 أي قبل أن تصبح شركة عملاقة إنه لا يدري لماذا يثق به مستخدمو شبكة التواصل الاجتماعي.
الآن بات عدد مستخدمي فيسبوك 2.4 مليار مستخدم، وكلهم مستعدون لتقديم “حياتهم ومعلوماتهم وبياناتهم الشخصية” لفيسبوك يوميا وعن طيب خاطر، بحسب ما ذكر موقع ميل أونلاين البريطاني.
الخطوة الأخيرة التي أقدمت عليها فيسبوك تمثلت في إطلاق العملة الرقمية “ليبرا” بالتعاون مع 27 شركة أخرى، بينها شركات عملاقة مثل باي بال وماستركارد وفيزا وأوبر وسبوتيفاي.
هذه الخطوة أثارت انتقادات وشكوك من العاملين في المجال التكنولوجي، خصوصا مع تاريخ فيسبوك في تسريب البيانات الشخصية للمستخدمين لأطراف ثالثة، وفضائحها الكبيرة مثل فضيحة كامبريدج أناليتيكا.
ويقول مؤلف الكتاب الذي اقتبس منه فيلم “الشبكة الاجتماعية” (ذي سوشيال ميديا)، بن مزريتش، إن رؤية فيسبوك لعملية إطلاق العملة الرقمية ليبرا تعتمد على أن المستخدمين سيشترون هذه العملة بأموالهم الحقيقية ثم ينفقونها على السلع والخدمات في عالم الإنترنت.
وينبغي أن يكون إرسال “ليبرا” إلى الناس عبر تطبيقات فيسبوك، مثل واتساب وفيسبوك ماسنجر، أمرا سهلا.
هذه العملية ستكون صغيرة في البداية، لكنها ستصبح أكبر، بحسب مزريتش، بحيث ستصل إلى مرحلة سيكون من الصعب العيش من دون حساب ليبرا.
وعندما تصل إلى تلك المرحلة، وإلى جانب ما يتوافر من معلومات وبيانات قدمها المستخدمون لفيسبوك وتطبيقاتها، ستصبح الأمور أكثر خطورة، إذ سيضيف المستخدمون بياناتهم المالية هذه المرة إلى فيسبوك وشقيقاتها.
ولهذا السبب اعتبر المنتقدون للعملة الرقمية الجديدة من فيسبوك أنها أكبر أشكال التجسس وأكثرها خطورة.
ويعتقد مزريتش أن الحافز والمحرك وراء ليبرا عميق جدا، ويدخل في صلب مفهوم شركة فيسبوك، ونوايا مؤسسها زوكربيرغ بالسيطرة ليس على حياتنا الاجتماعية فحسب بل على كل شيء آخر.
مساعدة بلا حسابات بنكية
وتقول فيسبوك عن ليبرا إنها ستساعد مليارات الناس حول العالم ممن يمتلكون هواتف ذكية وليس لديهم حسابات بنكية (غالبيتهم في الهند والصين وإندونيسيا).
لكن كيف سيتمكن أشخاص ليس لديهم حسابات بنكية من شراء العملة الرقمية ليبرا؟
المؤكد أن عملية الشراء ستكون نقدا ومن خلال تطبيقات فيسبوك، حيث سيصبح هناك “حساب ليبرا” الذي ستنتقل الأموال من خلاله عبر عالم الإنترنت.
وبالنسبة لمزريتش فقد أصبح زوكربيرغ “يجسد مؤسسة التكنولوجيا البعيدة التي تشرف على الكثير من البيانات التي يحملها الناس على الإنترنت”.
ويعتقد مزريتش أن البنوك الكبيرة تشعر بالخوف من عملة ليبرا وأنها قد تؤدي إلى إسقاط النظام المصرفي العالمي، على الرغم من أن النظام المصرفي تطور على مر القرون.
وتصر البنوك الكبيرة على أن أيا منها ليس جزءا من الدائرة التأسيسية لعملة ليبرا.
الشكوك تمتد إلى الحكومات، حيث يعتريها قلق كبير، إذ “كيف يمكن لأي دولة واحدة أن تنظم أو تشرف على عملة ليس لها حدود، والتي يمكن استخدامها على الفور، من هاتف إلى آخر، وفي شركة ما زال يسيطر عليها رجل واحد؟”
ويحذر مزريتش من أنه إذا نجحت ليبرا وأصبحت العملة الفعلية على الإنترنت “فسوف نحتاج إلى وضع إيماننا وثقتنا وأمننا المالي في أيدي فيسبوك”.
هل عملة ليبرا الرقمية أكبر أشكال التجسس خطورة وعدائية؟
وعلى الرغم من الهدف المعلن من وراء إطلاق هذه العملة الرقمية، وأنها ستساعد 1.7 مليار إنسان حول العالم ممن لا يملكون أبسط الخدمات المالية، فإن قرار فيسبوك دخول هذا المعترك قد يعرض مستخدمي الموقع إلى خطر كبير يفوق كثيرا فضائح انتهاك خصوصية المستخدمين السابقة، بحسب ما ذكرت صحيفة الاندبندنت البريطانية.
ومن أبرز هذه المخاوف أن ليبرا ستمنح فيسبوك وصولا مباشرا إلى معلومات المستخدم المالية، بحسب ما ذكره الخبير في العملات المشفرة فيل تشين، أحد الرواد في عالم سلسلة الكتل أو “البلوك تشاين”.
والأمر لا يقتصر على الوصول المباشر إلى المعلومات المتعلقة بصفقات المستخدم، بل تتعداها إلى الوصول المباشر إلى ثرواته ورؤوس الأموال الخاصة به.
ويذهب تشين إلى أبعد من ذلك بالقول إن ما تمثله ليبرا أخطر بكثير من أي شيء سابق، معتبرا أنها “أكثر أشكال المراقبة خطورة التي تعمد فيسبوك إلى تطويرها”، وستصبح بسهولة أخطر قضية “انعدام ثقة” في التاريخ.
وبينما يزعم المدافعون عن ليبرا أنها ستساعد نحو ملياري إنسان ممن ليس لديهم حسابات بنكية، فإن الشريك المؤسسة لشركة الاستثمار في سلسلة الكتل “كاي آر ون” جورج ماكدوف يعتقد “أن ليبرا تتعلق فقط بجمع المزيد من المعلومات الثمينة والقيمة عن المستخدمين”.
النفط الجديد
ويوضخ ماكدوف قائلا إن فيسبوك وشركاءها يقومون بهذا العمل “لسبب واحد هو البيانات” وأن هذه الخطوة، والانتقال إلى عالم غامض من العملة المشفرة في العالم يتعلق باستغلال حقول بيانات جديدة أو ما يمكن وصفها “حقول النفط المعاصرة”.
ولا شك أنه سيكون هناك الكثير من التأكيدات حول بشأن الخصوصية ولا مركزية العمل اليدوي، ولكن الأمر كله متعلق بـ”إثراء فيسبوك باحتياطيات جديدة من البيانات، ومعرفة المستخدم أكثر وما يشتريه ولمن يدفع أمواله بالإضافة إلى معرفة مقدار ثروته”.
وفي نهاية مقالته يقول مزريتش متشككا “ربما سنفكر في يوم من الأيام بأننا ’أغبياء‘ بسبب ثقتنا في مارك زوكربيرغ”.