ملأ إدوارد سنودن الدنيا وشغل الناس منذ كشفه برنامجا تجسسيا سريا للحكومة الأميركية لمراقبة اتصالات الهواتف والإنترنت، أو ما يعرف “ببريزم”. وبات المحلل الأمني السابق المطلوب الأول لواشنطن بعدما وضعته على لائحة “فاضحي أسرار أميركا”، حيث زعزعت الوثائق التي سربها لوسائل الإعلام ثقة الشعب الأميركي بإدارة الرئيس باراك أوباما.
ولد سنودن في 21 يونيو/حزيران 1983 وترعرع في منطقة “إليزابيث سيتي” التابعة لولاية كارولاينا الشمالية، وانتقل مع عائلته في وقت لاحق إلى منطقة ماريلاند قرب المقر الرئيسي لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي)، ويقول إنه لم يشعر خلال نشأته بأن “الحكومة الأميركية يمكنها أن تشكل تهديداً لقيمه السياسية”.
وأقر المحلل السابق للمعلومات لدى “سي آي أي” ومسؤول النظم بمنشأة تتبع وكالة الأمن القومي الأميركية، بأنه لم يكن من الطلبة المتميزين خلال مرحلته الدراسية، ولكي يحصل على علامات تؤهله للحصول على شهادة الثانوية العامة قام بالالتحاق بكلية مجتمع في منطقة ماريلاند ليدرس علم الكمبيوتر، لكنه تركها وحصل على شهادته في وقت لاحق.
التحق سنودن بالجيش الأميركي عام 2003 وخاض برنامجا تدريبيا للالتحاق بالقوات الخاصة، وقال إنه كان ينوي المشاركة في القتال بالعراق، “لأنني شعرت بمسؤوليتي الإنسانية التي حتمت علي مساعدة تحرير الناس من العيش تحت الاضطهاد”. وأضاف أن “معظم المدربين في البرنامج كانوا متحمسين لقتل العرب وليس لتحرير أي منهم”، لكن تم تسريحه من البرنامج عندما كُسرت كلتا رجليه خلال التدريب.
“حصل سنودن على أول وظيفة له في مكتب وكالة الأمن القومي، وعمل في البداية حارس أمن لإحدى المنشآت التابعة للوكالة في جامعة ماريلاند، ومن هذه الوظيفة انتقل للعمل في وكالة الاستخبارات المركزية في قسم الأمن الإلكتروني”
كشف الأسرار
وبعدها حصل سنودن على أول وظيفة له في مكتب وكالة الأمن القومي، وعمل في البداية حارس أمن لإحدى المنشآت التابعة للوكالة في جامعة ماريلاند، ومن هذه الوظيفة انتقل للعمل في وكالة الاستخبارات المركزية في قسم الأمن الإلكتروني، وبمعرفته الموسعة بالإنترنت وببرمجة الكمبيوتر تمكن من التقدم بسرعة في وظيفته بالنسبة لشخص لم يحصل على شهادة ثانوية.
وانتقل سنودن بعدها للعمل مع بعثة دبلوماسية في العاصمة السويسرية جنيف، حيث تولى مسؤولية الحفاظ على أمن شبكة الكمبيوتر، مما أتاح له الوصول إلى مجموعة كبيرة من الوثائق السرية.
ومع الكم الهائل من المعلومات التي وصل إليها، واختلاطه بعملاء وكالة الاستخبارات، بدأ سنودن بالتفكير بعد ثلاثة أعوام بمدى صحة ما يقوم به وما رآه، وفكر في الكشف عن أسرار الحكومة حينها.
لكنه توقف لأمرين، أولهما أنه لم يرد أن يكشف معلومات عن أشخاص ممن كانت الاستخبارات تراقبهم، ولم يرد أن يورطهم بالموضوع، والثاني بأن فوز أوباما بالرئاسة الأميركية عام 2008 منحه الأمل في تحقيق إصلاحات في المستقبل.
غادر سنودن وكالة الاستخبارات عام 2009، ليعمل مع متعاقد من القطاع الخاص للتعاون مع وكالة الأمن القومي في قاعدة عسكرية باليابان، وفي الوقت الذي رأى فيه عدم وجود “تغييرات” في حكومة أوباما، قرر بأنه “لا فائدة من الانتظار ليقوم الغير بدور القيادة”، وخلال الأعوام الثلاثة التي تلتها أدرك سنودن بأنها كانت مسألة وقت قبل أن يعمد إلى كشف كل شيء.
صراع دولي
وأشار الشاب إلى أنه كان يعمل براتب جيد يصل إلى مائتي ألف دولار سنوياً، وكان لديه منزله الخاص في جزيرة هاواي الأميركية، ولكنه “مستعد للتضحية بكل ما أملك لأن هذا التجسس يشكل تهديداً حقيقياً للديمقراطية التي ننادي فيها ببلادنا”. وعند سؤاله عما إذا كان خائفاً، قال “أنا لا أخاف من شيء لأن هذا كان قراري”، ولكنه يخاف “أن تتعرض عائلتي للأذى”.
“سنودن كان يعمل براتب جيد يصل إلى 200 ألف دولار سنوياً، وكان لديه منزله الخاص في جزيرة هاواي الأميركية”
وفي مايو/أيار 2013 تقدم سنودن بإجازة من عمله بزعم أنه بحاجة لعلاج من مرض الصرع، وفي العشرين من الشهر نفسه هرب سنودن الذي يواجه اتهامات بالتجسس في بلاده من أميركا إلى هونغ كونغ بعدما سرب تفاصيل برامج المراقبة السرية لصحيفتي الغارديان البريطانية وواشنطن بوست الأميركية، ثم سافر بعدها إلى موسكو.
وأصبح مصير سنودن بؤرة صراع دولي بين الولايات المتحدة والصين وروسيا التي قدم طلب لجوء سياسي إلى حكومتها، كما تنظر حكومة الإكوادور في طلب لجوء أخر تقدم به.
ولم تقتصر تداعيات الوثائق التي سربها سنودن على علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها وخصومها الخارجيين، بل أثارت عاصفة من ردود الفعل الداخلية، واستغل نواب جمهوريون في واشنطن قصة سنودن لتصوير أوباما على أنه زعيم غير كفء على صعيد السياسة الخارجية. وقال جمهوريون ينتقدون الرئيس إن الضجة بشأن سنودن علامة على ضعف أوباما والمكانة الدولية المتراجعة، وأن روسيا تستغل الولايات المتحدة.