بعد تخرجه في الكلية التقنية ببغداد هذا العام، لم ينتظر حيدر عارف حصوله على تعيين حكومي أو عمل في شركة أهلية، بل قرر أن يعتمد على نفسه في إنشاء مشروع خاص يحمل بصماته الشخصية.
كانت العقبة الكبرى بالنسبة له هي المكان الذي سيبدأ فيه مشروع العمر هذا، ولا سيما أن العراق يفتقر إلى مشاريع تحتضن الباحثين عن فرص عمل، إلا أن مشروع “المحطة” الذي افتتح في بغداد بداية العام الحالي كان الوجهة التي قرر التحرك نحوها.
وهكذا أصبح لحيدر مكان في المحطة إلى جانب عشرات الشبان الآخرين الذين كانوا يعانوا من ضعف القطاع الخاص في العراق، وعدم توفر الرعاية لإبداعاتهم وأنشطتهم.
يقول حيدر للجزيرة نت إن مشروعه يحمل اسم “المراقب”، وهو نظام إلكتروني ينظم عمل المدارس ويتيح للإدارة مغادرة السجلات والأوراق التقليدية عن طريق استخدام تطبيق إلكتروني، بالإضافة إلى وجود خدمة نظام حسابات متكامل للمدرسة كلها، وخدمة للدعم التقني وخطوط النقل.
كما أنه يساعد أولياء الأمور على معرفة سلوكيات أبنائهم الطلاب ودرجاتهم، من خلال نظام يوفر خدمة الدعم التقني لمدة سنة، ويعمل على نظامي “أندرويد” و”آيفون”، ويقدم خدمة لثلاث شرائح في المجتمع، هم المديرون والمدرسون وأولياء الأمور.
ويؤكد حيدر أن المحطة هي البوابة الأولى التي تدعم المشاريع الناشئة في العراق، وقد قدمت له خدمة كبيرة من خلال توفير مكان وبيئة مناسبة للعمل لن يجدها في مكان آخر، فضلا عن العلاقات والتواصل مع مؤسسات ومنظمات أخرى تسهم في استمرار تطوير المشروع ونموه، على حد قوله.
وداعا للوظيفة
وافتتحت المحطة في فبراير/شباط من العام الحالي، وتقوم فكرتها على دعم مشاريع ريادة الأعمال وتوفير عشرات فرص العمل للشباب العراقي، عبر إيجاد أماكن رخيصة وآمنة لهم كي يفتتحوا مشاريعهم الصغيرة.
ويهدف المشروع -كما يقول القائمون عليه- إلى تنمية قدرات الشباب والابتعاد عن الوظيفة عبر تأسيس مشاريع خاصة بهم، وهي الأولى من نوعها في العراق.
وبحسب المدير التنفيذي للمحطة حيدر حمزوز، فإن المشروع انطلق من الحاجة لوجود مكان وبيئة ملائمة للعمل، لكن التحدي الذي يواجههم الآن هو كيف يمكنهم دعم القطاع الخاص وتخليص الشباب من فكرة البحث عن وظائف حكومية، دون التفكير بتطوير أنفسهم أو افتتاح مشاريع خاصة بهم.
ويضيف للجزيرة نت أن المشروع ابتدأ كفكرة لدى مجموعة من الشباب يؤمنون باقتصاد حرّ يساعد الخريجين والعاطلين عن العمل على النهوض بأفكارهم والانطلاق بمشاريعهم، وقد ساعدهم في تحقيقه عدد من المجموعات التجارية وشركات الإنترنت، بالإضافة إلى السفارة الهولندية في بغداد.
ويرى المدير التنفيذي أن المحطة ستسهم في تغيير طريقة تفكير الشباب اقتصاديا، خاصة أن الكثيرين منهم ما زال تفكيرهم ينحصر في الكسب السهل والحصول على تعيين حكومي، مع أن دوائر الدولة مترهلة بالموظفين وتحتاج إلى تقليص كبير، على حد قوله.
ووفقا لحمزوز، فإن عدد أصحاب المشاريع داخل المحطة حتى الآن هم 22 شركة، والرقم في تزايد، وهم يفكرون بالانتقال إلى محافظات أخرى بعد استقرار التجربة ونجاحها.
مشاريع متنوعة
مريم الآغا واحدة من اللواتي قررن التوجه لهذا المشروع مع زميلتها نور فرج، حيث بدأتا مشروعا للتصميم يقوم على توفير بيئة في مواقع العمل والمنازل، يستطيع الشخص من خلالها التكيف وصنع هوية للمكان دون الاعتماد على الجانب الجمالي وحده.
تقول مريم إنهم يستلمون مخططا للفضاء المراد تصميمه، أو يقومون بإرسال فريق متخصص لأخذ القياسات وفهم احتياجات الزبون، والعمل على تصميم المكان بروحية تطابق شخصية صاحبه، من خلال توظيف الأثاث والإكسسوارات والألوان.
وتضيف أنهم يقومون بعمل مخططات أولية وثلاثية الأبعاد، ثم البدء بالتنفيذ بواسطة كوادر متخصصة وبأفضل المواد المتاحة، عبر مشروعهم الذي يحمل اسم (Space to place) “فضاء لمكان”.
وتؤكد المهندسة الشابة أن المحطة قدمت لهم الدعم عن طريق توفير فضاء خاص للعمل وبأسعار رمزية، كما أتاحت لهم التعرف على الكثير من الأشخاص والشركات والمؤسسات.
وتضمّ المحطة عددا من قاعات الاجتماع وأماكن الاستراحة، وتستقبل على مدار الأسبوع مهرجانات وورشات عمل ومناسبات لمؤسسات ثقافية وإنسانية، تسهم في تنشيط الحركة الثقافية وضخ مزيد من الدماء الشابة في عروقها، كما يقول القائمون على المشروع.