هل تريد الأخبار الجيدة أم الأخبار السيئة بما يتعلق بالتطور التكنولوجي؟
إليك الأخبار السيئة
كل ما تفعله على الإنترنت مُتعقَّب؛ تتدفق معلوماتك إلى قواعد بيانات ضخمة، ثم تُوصَل ببعضها البعض. تمتلك عدة شركات نماذج مطّلعة لشبكاتك الاجتماعية وسلوكك الشرائي ووجهك أيضا؛ وجهك قبل عشر سنوات ووجهك اليوم.
قبل عشر سنوات، كان لدى فيسبوك بالفعل 15 مليار صورة في قاعدة بياناته، أثناء تحميلك الصور وتحديد الأصدقاء المميّزين وإضافة بيانات التاريخ والموقع، نجحت برمجيّتُه في التعرّف على الوجوه بشكل باهر. تنعكس قدرة التعرف على الوجوه هذه في شركات أخرى، وأصبحت شركات مثل شركة “أمازون” تبيعها لمن يريدها أيًّا كان، يقومون بكل ذلك لعرض أشياء من المحتمل أن تشتريها على شكل إعلانات ضمن توصيات المنتج. ويُمثّل ذلك حرفيا كيفية عمل الإنترنت، ويبدأ كل ذلك من جوهر الاقتصاد الجديد كما أخبرنا الخبراء طيلة سنوات، ولا سيما في أحدث ما قيل حول الموضوع، كتاب “عصر رأسمالية الرقابة” (The Age of Surveillance Capitalism) لِـشوشانا زوبوف من كلية هارفارد لإدارة الأعمال.
وبما أننا انتهينا من هذه القصة، فلنتحدث عن “تحدي عشر السنوات”، الذي اكتسح مستخدمي فيسبوك (وإنستغرام). القصة باختصار: تقوم بنشر صورة قبل عشر سنوات وصورة الآن. الأمر يشبه مطالعة لوحة “زحل يلتهم ابنه” أو “السلطة تدهس أبناءها” للرسام فرانشيسكو غويا، لكن على الإنترنت. في البداية كان التحدي مجرد لعبة. “يا إلهي الجميع يتقدمون في العمر حقا”. لكن بعد ذلك بدأت الحقيقة بالظهور. نشرت كيت أونيل، مؤسِّسة شركة استشارات تقنية، ما وصفته في مقال رأي على موقع “وايرد” (Wired) كـ “تغريدة ساخرة”.
Me 10 years ago: probably would have played along with the profile picture aging meme going around on Facebook and Instagram
Me now: ponders how all this data could be mined to train facial recognition algorithms on age progression and age recognition— Kate O'Neill (@kateo) January 12, 2019
ترجمة التغريدة: “أنا قبل عشر سنوات: من المرجح أنني سأنضم إلى تحدي صورة عشر السنوات عبر صورة ملفّي الشخصي في إنستغرام وفيسبوك. أنا الآن: أفكر في كل تلك البيانات التي ستُمتصُّ لتدريب خورازميات تمييز الوجوه على التقدم في العمر وتحديد الأعمار”. المسألة الأهم وفقا لِـكيت أونيل هي ما ذكرته في التغريدة أعلاه: “إن البشر هم أغنى مصادر البيانات لغالبية التكنولوجيا الناشئة في العالم. علينا معرفة ذلك والمُضي في استخدامها بحذر وحكمة”.
إليك الأخبار الجيدة
أيا كان السيناريو السيئ الذي يستخدم هذه الصور في تدعيمه، فإنه قد وقع بالفعل. فيسبوك لا يعمل على بناء نظام تعلم آلي للتقدم في السن؛ فهو على الأرجح يمتلك هذا النظام سلفا. ربما ليس هذا خبرا جيدا في نهاية المطاف. لقد عمل الباحثون بجد على “التعرف على الوجوه المتقدمة في السن” لسنوات حتى الآن، إضافة إلى بناء مجموعة متنوعة من قواعد البيانات مثل “قاعدة الوجه الجمجمي المورفولوجي على المدى الطويل” (MORPH) لمساعدتهم على تحقيق هذه الخاصية وتطويرها.
بالنسبة إلى وجهة نظر أونيل، عادة ما تكون مجموعات البيانات هذه صغيرة جدا، ولكنها عادة ما تكون كافية للأكاديميين بشكل عام، فهُم دوما ما يعتمدون في دراساتهم وتجاربهم على التفاصيل الصغيرة. وما زال هناك تقدم تقني هائل، فمثلا بالنسبة إلى نظام الأمان البيومتري الذي يستخدم 16 عاما من الصور، “لا يزال يمكن التحقق من صحة هوية الهدف بشكل صحيح بنسبة خطأ تصل إلى 0.01%”.
لكن دعونا نتخيل منصة بوسعها الوصول إلى هذا الحد الهائل من الصور، منصة لديها أحد أكثر أنظمة التعلم الآلي والحوسبة تطورا في عالم التكنولوجيا. إنني أراهن أن أنظمة فيسبوك بحوزتها ما هو أكثر بكثير مما اقترحته أونيل. إذ إن فيسبوك يريد التعرف على الوجوه المتقدمة في السن، من خلال لقطات الفيديو ومن الزوايا الصعبة. وهي جبهات لا بد أن خبراء الذكاء الاصطناعي في الشبكة قد قاموا باختراقها منذ وقت طويل.
إن امتناعك عن هذا السلوك المعين لا يعني أنه يمكنك الحد من تطوير هذه الخاصية لدى الشركات القائمة عليها. والفكرة القائلة بأن بإمكانك منع فيسبوك من وضع نماذج لتقادمك بالسن، مضلِّلة تماما. بعبارة أخرى، ليس هناك مؤامرة من قِبل الشركات العالمية لحثّك على نشر صورة لنفسك من الماضي والوقت الحاضر، بل هناك مؤامرة عالمية تقوم عليها الشركات لجعلك تنشر كل شيء عن نفسك باستمرار طوال الخمسة عشر عاما الماضية.
الكثير منا قد فعل ذلك، وبذلك نكون قد وفّرنا مجموعات من البيانات الضخمة التي قامت الشركات بالفعل بتدريب برمجياتها عليها. إذا كنت تعتقد أن عدم نشر هاتين الصورتين سيؤثر بالرقابة الرأسمالية أو بالمنصات التي يرتكز نجاحها عليها، فإنك مخطئ تماما. الأمر أكثر تعقيدا مما تتخيل. إذا كان الناس يستمتعون برؤية مظهرهم ومظهر أصدقائهم فيما مضى، فعندئذ، لا يمكنني منع نفسي من إخبارهم بأن ذلك جزء بسيط من مشكلة عصرنا، ولكنه جزء مبالغ فيه جدا.