استضاف العراق في شهر أبريل أول هاكاثون له على مستوى البلاد، وكان الهدف هو الجمع بين رواد الأعمال الطموحين، وحل بعض القضايا الملحة التي تواجهها البلاد من خلال الابتكار بعد سنوات من الحرب الأهلية والعنف والنزاعات المسلحة الطويلة.
وشهد الحدث الذي نظمه التحالف العراقي للتكنولوجيا وريادة الأعمال (ITEA)، جهداً تعاونياً بين 700 ناشطًا من مدن أربيل؛ وبغداد؛ والبصرة؛ والسليمانية؛ والموصل.
وتنوعت المشاريع بين تطوير حلول لإعادة تدوير البلاستيك، وإنشاء مساند للدراجات لطلاب الجامعة لمكافحة الازدحام، وتطوير مساقط ثلاثية الأبعاد لقلعة أربيل.
وشكلت هذه المشاريع جزءًا من النظام البيئي المزدهر للتكنولوجيا في العراق الهادف إلى إحداث تغيير ذي مغزى ودائم في المنطقة.
المشهد التكنولوجي المتغير
تنتشر مساحات العمل المشترك، مثل (TechHub)؛ و (The Station) في جميع أنحاء العراق.
كما أنشأت ( Re:Coded )، وهي منظمة غير ربحية تهدف إلى تدريب الشباب المنكوبين بالنزاعات لدخول الاقتصاد الرقمي كمطورين برمجيات وقادة تقنيين، مركزها في أربيل.
وأطلق محمد خضيري، أحد مؤسسي (TechHub)، في العام الماضي شركة (ITV) لتسهيل إنشاء آلية للمستثمرين الدوليين للاستثمار في الشركات الناشئة العراقية.
ويقول هال ميران، الذي شارك في تأسيس أول مساحة للعمل المشترك في مدينة أربيل:
أردنا بناء نظام إيكولوجي للتكنولوجيا في العراق، ولقد أنشأنا (TechHub) لمنح رواد الأعمال العراقيين الناشئين الزخم الذي يحتاجون إليه لبناء وإطلاق وتنمية شركاتهم الناشئة من خلال توفير مساحة عمل حيوية وتعاونية.
وتهدف (TechHub) إلى أن تكون المركز الوحيد لجميع احتياجات الشركات الناشئة من خلال توفير التسهيلات المكتبية، والتوجيه، والوصول إلى جهات الاتصال التجارية، والشبكات.
وبالإضافة إلى كونه مركزًا للشركات الناشئة، فقد قال ميران:
إن (TechHub) يُستخدم لإجراء برامج تدريبية تهدف إلى تعليم الأشخاص النازحين مهارات قد يحتاجون إليها لإيصال أفكارهم، لكن ميران يعترف بأن (TechHub) ليست أفضل بيئة ممكنة للشركات الناشئة.
وتُعد المحطة (The Station) بمثابة أول مساحة عمل مشترك في بغداد للابتكار، والتي تأسست في أوائل عام 2018 من قبل مجاهد ويسي ومهند منجد، وهي موطن لزهاء 15 شركة ناشئة.
ثورة المحمول
انتشرت التكنولوجيا بشكل سريع في العراق بعد عام 2003، ويمتلك ما يقرب من نصف سكان البلد إمكانية الوصول إلى الإنرنت، فيما لدى ما يقرب من 87 من بين كل 100 شخص اشتراك خلوي متنقل.
وشكلت زيادة انتشار الإنترنت والهواتف المحمولة شريان الحياة للعديد من الشركات الناشئة التي بدأت عملياتها على مدار العامين الماضيين.
وفي حال كنت تريد طلب أشياء عبر الإنترنت فإن أول موقع للتسوق الألكتروني في العراق مسواگ (Miswag) يسمح لك بذلك، أما في حال كنت تريد العشاء في مطاعم قريبة فإن هناك (Brsima) و (Talabatey).
كما أن هناك خدمة توصيل الأغراض من البقالة إلى منزلك في أربيل (Erbil Delivery)، وخدمة (Shiffer) لشحن السلع خارج البلد، وخدمة التكاسي بحسب الطلب (Obr).
أما في حال كنت تبحث عن وظائف بعد التخرج فهناك فرصة (Opportunity)، وإذا كنت تحتاج الكتب والأدوات في غضون 24 ساعة فإن أول وأكبر موقع للتسوق الإلكتروني في الموصل دكاكينا (Dakakenna) هو المكان المناسب.
نموذج ناجح للتجارة الالكترونية
ويقول يوسف النعيمي، الذي أطلق دكاكينا في أغسطس 2018: أردت دائمًا أن أبني شيئًا ناجحًا في العراق، وتعمل الخدمة حاليًا خارج الموصل.
واستغلت دكاكينا الوضع الحالي لمدينة الموصل من أجل إنشاء نموذج للتجارة الإلكترونية ناجح إلى حد ما، ويوجد جميع الموردين حاليًا في الموصل، مما يتيح للشركة التعامل مع عمليات التوصيل في نفس اليوم.
وأوضح النعيمي أن السلامة ما تزال تشكل مصدر قلق في بعض المناطق، مما جعل الناس أكثر قبولًا لهذه الخدمات، إذ من الأسهل بكثير الشراء عبر الإنترنت، لكن النعيمي يعترف بأن الخدمات اللوجستية ما تزال تُمثل مشكلة كبيرة.
التحديات التي تواجه رواد الأعمال
لكن هذا ليس كل شئ، إذ هناك تحديات أخرى مثل إقناع العملاء بالدفع عبر الإنترنت، حيث تعتمد معظم الخدمات اليوم بشكل شبه كامل على النقد في المعاملات اليومية، والسبب في ذلك عدم ثقة الناس في النظام المصرفي.
ووفقًا لتقرير صادر في عام 2017 عن البنك المركزي في العراق، فإن 93 في المئة من البالغين العراقيين ليس لديهم حساب بنكي.
ويقول دانا صباح، مؤسس خدمة توصيل البقالة في أربيل (Erbil Delivery) في شهر يوليو الماضي: العراق مجتمع نقدي إلى حد كبير، وليس هناك ثقة بالنظام المصرفي، وبالتالي فإن مفهوم البرنامج كخدمة (SaaS) غير موجود، ولا توجد نماذج اشتراك.
وأضاف أن التجربة رائعة، لكن هناك صعوبات، إذ لا يمكننا الذهاب لمناطق معينة، ولا يُسمح بدخول دراجات التوصيل خاصتنا إلى بعض الأماكن، مما يدفعنا لخدمة العملاء من خلال السيارات، وهناك مشكلة المدفوعات المحمولة.
لكن صباح تغلب على مشكلة المدفوعات من خلال بطاقة (Balancy)، والتي تعمل مثل قسيمة تعبئة رصيد الهاتف المحمول التي تضيف إلى رصيد العملاء، مما يسمح لهم بالدفع مقابل العناصر باستخدام البطاقة بدلاً من النقد.
فيما عالج مشغلو المحمول، مثل زين؛ وآسيا سيل، المشكلة بشكل منفصل عبر (Zain Cash) و (Asia Hawala) كبديل للخدمات المصرفية التقليدية.
مستنقع بيروقراطي
أعلن البنك المركزي في عام 2015 عن مبادرة بقيمة تريليون دينار (840 مليون دولار) لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة بأسعار فائدة مدعومة كوسيلة لتحفيز الشباب العاطل عن العمل وخلق وظائف في القطاع الخاص، لكن القيود المفروضة على سداد القروض جعلتها صعبة المنال بالنسبة للشركات الناشئة.
ويقول صباح: لا توجد أماكن حقيقية لطلب الاستثمار، ولا يوجد ما يكفي من المسرعات، ونحن بحاجة إلى المزيد من المنظمات مثل (Re:Coded)، ونحن بحاجة إلى مزيد من الموجهين الذين يمكنهم توجيهنا بالطريقة الصحيحة.
وكان لمنظمة (Re:Coded) دور أساسي في استضافة هاكثون الابتكار في العراق، وهو أول حدث على المستوى الوطني في العراق للبرمجة.
ونُظم هذا الحدث بالتعاون مع مساحات العمل الجماعي الأخرى في المنطقة ومع (Five One Labs) حاضنة الشركات الناشئة التي تساعد اللاجئين وأصحاب المشاريع المتأثرة بالنزاعات على إطلاق وتنمية أعمالهم في الشرق الأوسط.
وحصل الفائزون على مبالغ مالية تصل إلى 3 آلاف دولار ، بالإضافة إلى الوصول للمزيد من التوجيه من أجل تطوير فكرتهم إلى حل حقيقي.
وبدأت (Re:Coded) عملها في العراق كوسيلة لتحفيز النظام البيئي التكنولوجي في البلاد وبناء المواهب بين الشباب حتى يتمكنوا من حل المشكلات المحلية باستخدام التكنولوجيا، والاستعداد لوظائف المستقبل، لكن بيئة الشركات الناشئة في العراق قد تكون صعبة.
ويعاني رواد الأعمال من صعوبة عملية تسجيل الشركات الناشئة في البلاد، مما يدفع البعض منهم إلى إنشاء شركاتهم في دبي بدلاً من العراق.
التكنولوجيا كعامل تمكين تحويلي
تحتاج العراق إلى تحول ثقافي لتشجيع روح المبادرة، إذ يجري توفير رأس المال في البلدان ذات الثقافة المزدهرة للشركات الناشئة من خلال نظام بيئي للمستثمرين، وشركات رأس المال الاستثماري، وصناديق الأسهم الخاصة، لكن مثل هذه الآليات تتطلب تطبيق قوانين وأنظمة وسياسات جديدة.
وفي حال كان هناك دافع سياسي كاف، وإصلاح شامل للقوانين الحالية، فسوف يُشكل ذلك عاملًا كبيرًا في تشجيع الناس على ريادة الأعمال.
ويُشكل (R3) أحد الحلول المتكاملة التي ظهرت في هاكثون العراق، وهو عبارة عن حل متكامل لإعادة تدوير البلاستيك يربط المواطنين بمحطات إعادة التدوير عبر سائقين مستقلين، كما يشجع النظام الأعضاء على إعادة التدوير من خلال مكافآت مثل رصيد زين كاش أو كريم.
في حين تُشكل منصة خدمات الركوب كريم (Careem)، في وقت سابق من هذا العام، الاستثناء الدولي الوحيد.
وأطلقت الشركة خدماتها في العراق في أوائل عام 2018، وتعمل الآن في بغداد؛ والنجف؛ وإربيل.
ويقول صباح: تُقدم كريم خدمة رائعة لدرجة أنها أخرجت اللاعبين المحليين
ويضيف “إذا أردنا منافسة كريم، فإننا بحاجة إلى أن نكون لاعبين محليين أقوياء، يستلزم ذلك فهماً أفضل للسوق والتركيبة السكانية”.
افتقار العراق الى البنية التحتية
يحتاج العراق إلى تحسين البنية التحتية، إذ يُعد انقطاع الكهرباء مشكلة رئيسية، مثل انقطاع الإنترنت، مما يهدد التنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي الهش في البلد الذي مزقته الحرب.
ويقول النعيمي: لم نحقق أي مبيعات لمدة أسبوع كامل بسبب عدم وجود اتصال ثابت بالإنترنت، نحن نريد تقديم خدمة موثوقة، ونريد من العملاء الاعتماد علينا، لكن عندما تحدث هذه الانقطاعات، فإنها تجعلنا نتساءل ما إذا كان ينبغي لنا إغلاق المتجر وتجربة شيء آخر.
وواجهت خدمة كريم الانقطاعات عبر الإنترنت عن طريق السماح للناس بالاتصال برقم هاتف وإجراء حجوزات عبر واتساب.
وبالرغم من كل ما حدث في العراق، لكن يبدو أن البلاد مستعدة أخيرًا للتخلص من صدمة الصراع، والسعي نحو إحياء ريادة الأعمال التي وفرت للشباب فرصة لإنشاء أعمال جديدة ومثيرة.
وتُشكل هذه التجارب والحلول مجرد بداية لمرحلة واعدة في العراق.